" سكارى و ما هم بسكارى "
شريف الخوالدة
كما يقولون ....... إذا أردت أن تفهم موقفا فعليك أن تراه كاملا و إذا أردت أن تستمتع بمشهد فلا بد أن تشاهده كاملا .......
فلن ترى جمال البحر إلا من الشاطئ و لن تتمتع بروعة السماء إلا من الأرض ........كما أنك لن تعرف كل ما يدور في صالة "السينما" إن لم تكن على " اللوج " ........ و لن ترى كل ما يحدث في " الباص " إن لم تكن في " الكرسي الخلفي " ........
نعم لقد جلست في " الكرسي الخلفي " من الحافلة و أنا نادرا ما أحصل على هذه الفرصة الثمينة " أن أرى المشهد كاملا " .....
بدأت رحلتنا عندما صاح " الكنترول " ( رووووح ...... باصك فل ........ روح ) ، فانطلقنا ...... و ما كدنا ...... إذ وقفت فتاة من الطراز الحديث ، تحمل " العولمة " بين يديها و الذوق الرفيع على رأسها كما تحمل ......... ، أشرت " للكنترول " فأتاها و كأنه سهم دون أن يكترث بمن يصطدم أو على من يدوس ، و كانت تبعد عني مقعدين فقط ........ ، همست له بكلمات ( لا يعلمها إلا الله ) و عاد ينظر خلفه فلم أعرف إن كان يمشي للأمام أم إلى الخلف ........... ( ما علينا بتصير كتير ) قلت لنفسي و أنا أنظر إلى " الكنترول المذهول " ........... و لم تتوقف الأمور عند ذلك فقد التفتت الفتاة إلى " شابين " يجلسان إلى اليسار و ما أن انتبها إليها حتى أعطتهم ( دبل كلك يسار ) بعينها حينها جذب الموقف انتباهي .........
أخذ أحد الشباب هاتفه من جيبه بحركة " خطيرة " و وصّل السماعات ثم و ضع أحدها في أذنه و الأخرى في أذن صديقه و أخذا يتمايلان معا .............. ( بتصير كتير ما علينا ..... ) و أنا على هذه الحال ....... بدأ " الكنترول " بجمع الأجرة ، و كان يجمعها و كأنه يؤدي رقصة " بريك " بحركات هندسية مرسلا بعض النظرات و الابتسامات من حين إلى آخر .........
و فجأة أحسست " بكوع " ينغرس في جنبي ، التفتت فإذا بشاب يخرج مسجلته من " عبّه " و كانت تبدو جديدة فلا بد أنه اشتراها قبل أن يصعد ....... فوضع شريطا داخلها ثم رفع " الأنتين " لماذا ؟ لا أعلم ....... و وضع السماعات في أذنيه و أخذ يتمايل على صوت الأغنية التي كنت أسمها و كأنها في أذني ( إلي بتقصر تنورة ........ إلي بتقصر تنورة ) ....................
ثم التفت يمينا و إذا بشخص قصير القامة أخذ يسحب كل ما لديه من طول لينظر إلى المقعد الذي تجلس عليه الفتاة ..... و آخر فتح هاتفه و أخذ يبحث " بالبلوتوث " .....................................
ثم عاود " الكنترول هجومه مرة أخرى فهمس للفتاة ......... فقامت من مكانها إلى مقعد في المقدمة " أقرب إلى المستقبل " .......... و تغيرت الأحوال " سبحان الله " نزع الشاب السماعة من أذن صديقه و راح ينظر نحو " المستقبل " حتى توارى خلف مقاعد " الباص " .................. و بهذا انتقلت منطقة الصراع إلى مقدمة الحافلة ، إذ بدأت حركات جديدة بالظهور ......... كما أن السائق اتخذ " المرايه " منظره الذي لم يرفع عينيه عنها ، كما غيّر " الكنترول " مكان وقفته حسب متطلبات التغيير للعصر الحديث .............. فسألت نفسي لم قام بتغيير مكانها ؟؟ ....... لم أجد جواب ....... فالجواب " في قلب الكنترول " ................................................
أغلقت الستائر المواجهة للشمس ..... مما زاد الموقف " احمرارا " ، عندها حاول أحد الأشخاص " إلي على الواقف "
أن يجلس مكان الفتاة " الذي أصبح شاغرا " ......... و لكن السيدة التي في المقعد ..... أخبرته بأنه محجوز ...............
...... لمن ؟؟؟ ........... لا أعلم ...................
ثم عدت أستطلع أخبار من هم حولي ....... و إذا بالرجل القصير قد نام ........ و أخذ رأسه يتدلى أمامه ...... حتى يضرب المقعد الذي أمامه ....... فيسنده من جديد ........... ثم يتدلى ..... و هكذا ........
أما الشاب على يساري " صاحب المسجلة " ...........مازال يتمايل على صوت الأغاني ...... و أخذ ينسجم معها حتى بدأ يتمتم بالأغنية " ( الله يبعتلا علّه ........... ) و كان يأشر بيده اليسار إلى قلبه و يدب بأنامله على فخذيه و كأنها " بيانو "
و يلعب بأصابع يده اليسرى أمام فمه و كأنه يعزف على مزمار ........... لم اليسرى ؟؟ ........... لأنه يمسك " المسجلة " بيده اليمنى . فهو لا يمكنه المغامرة بتركها تسقط ....... فهي جديدة ........ نعم موقفه غريب و لكنه استطاع الاندماج في الجو المحيط حيث أنني لم أستطع ......................
أما أحد الأشخاص " إلي على الواقف " فقد قرر الجلوس فوق الثلاجة ...... و ما زال المقعد عند السيدة محجوز ........... ثم
" ارتكى " على جنبه و كأنه على فراشه وسط داره .............
زاد الاحمرار في الحافلة و صرت أرى الركاب " سكارى و ما هم بسكارى " ............. هذا هو المنظر كاملا .......هكذا ترى الموقف من بعيد عندما تكون خارجه ............ و لكن بقيت أتسائل ......... هل يحدث نفس الشيء دائما عندما أكون في المقاعد الأمامية ........... أم أنها محض صدفة ................
حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع الخوالدة