محسن العواجي بين اللاهوت والنَّاسوت !
الحمد لله ، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه ، وبَعْدُ :
فقد اطَّلعتُ اليَوْمَ على نصيحةِ محسن العواجي المزعومة للأمير خالد بن طلال بن عبد العزيز ، وعجبتُ مِن ذهاب مروءة هذا الرَّجل ، وذهاب حيائِه . فيكتبُ نصيحةً بعنوان «أخي الأمير خالد بن طلال كلمة رأس»، ويُصدِّرُها بمخاطبتِه له (أخي الكريم الأمير خالد) ، ويصفُها بأَنَّها نصيحةٌ ، وأَنَّها (همسة محبٍّ ناصحٍ مُشفقٍ) ! وهو قد أذاعها في الآفاق ، يراها النَّاسُ قبل أَنْ يراها المنصوح !
طريقةٌ سافلةٌ ، كان ينتهجُها صاحبُها بالأمس القريب ، إلى أَنْ أُرْغِمَ أنفُه رُغْمَ أنفِه ، فترك الصِّدامَ المباشر ، إلى التَّحريش بين المسلمين ، وبلبلة أفكارِهم .
وأنا أُجملُ مآخذي عليه في نصيحتِه التَّافهةِ هذِه ، في مسائلَ عِدَّة :
إحداها : أَنَّهُ كذَّابٌ في نصيحتِه المزعومة مِن وجهَيْنِ :
1- أحدهما : أَنَّ نصيحة المحبّ المشفق ، تكون بالسِّرِّ لا العَلَن ، لذا قال الشَّافعيُّ رحمه الله :
تعاهدني بنُصْحِكَ في انفـرادي * * * و جنِّبني النَّصيحةَ في الجـماعَهْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَينَ النَّاسِ نَــوْعٌ * * * مِنَ التَّوبيخِ لا أَرْضَى استماعَهْ
وهذا معلوم .
2- الوجه الآخر : أَنَّهُ كَذَّابٌ أيضًا في مزاعمِه في الأمير ، لهذا لم يستطعْ أَنْ يضربَ مثالاً واحدًا فحسب ، على ما يُنْكِرُه عليه ، مِن الأشخاص والأعيان المُنْتَقَدِيْنَ ! أو العبارات والألفاظ التي لا يرضاها ! أو المواقف التي جانب الأميرُ فيها الحكمةَ !
وهذه طريقةٌ للقومِ نعرفُها فيهم مُنذ سنين ، حين كانوا يَعِيبُونَ على ولاة الأمورِ أُمورًا مُطلقةً ! ويرمون الكلامَ بعمومٍ ، لِيَفْهَمَهُ كُلُّ ذي فَهْمٍ بفَهْمٍ ! فيتحقَّقُ لهم عَيْبُ الكريمِ وهو غَيرُ ذي عَيْبٍ ! ولم نَنْسَ فتنتَهم عام (1415هـ) ، التي تحقَّقتْ لهم بهذه الأمور والطَّرائق !
المسألة الثانية : أَنَّ السَّببَ الحقيقيَّ الدَّافعَ لهذا السَّافل ، للكتابة في الأمير ، والطعن فيه ، وعيبه بما ليس فيه : اختلافُهما العقديُّ والفكريُّ ، فالأمير خالدٌ مُحِبٌّ لدعوة التَّوحيد ، مُفتخرٌ بها وبمآثرها ومُؤلَّفات أئمَّتِها ، ناصرٌ لها ، لهذا لا يكتنفُ مجلسَهُ إلا مُحبُّوها ، مُنافرٌ لخصومِها ، ولأربابِ الأفكارِ المنحرفة .
أَمَّا العواجيّ : فصاحبُ فِكْرٍ أعوجَ معروفٍ ، لا يُبالي باعتقادٍ فاسدٍ ، ولا بصاحبِ رأيٍ كاسدٍ ، ولن ننسى مُنتداه القذر «منتدى الوسطيَّة» حِينَ كان مجمعًا للضَّالِّين والمنحرفين ، مِن الرَّوافض والمعتزلة ، وأصحاب الاتجاهات الكثيرة المختلفة السّيئة .
ولم نَنْسَ إناطتَهُ أسبابَ التَّفجيرات الفكريَّة ، بمُؤلَّفات أئمَّة الدَّعوة ، خُبْثًا منه ، وسُوْءَ طويَّةٍ ونيَّةٍ ، وإلا فهو وأسيادُه وسفلةُ أذنابِه ، مَنْ سَقَوْا الشَّبابَ بالأفكار الضَّالَّة المنحرفة بالأمس ، فأثمرتْ فتنة عام (1415هـ)، وبقيتْ آثارُها حتَّى اليوم ، فكانوا هم ــ قاتلهم الله ــ مَنْ سَنَّ الفتنةَ في البلاد .
وقد قامتْ هذه البلادُ الطَّاهرة على دعوة التَّوحيد ثلاثةَ قرون ، ولم تعرف تلك الأفعال ولا الحوادث ، وإنَّما كانتْ سببًا في وحدة صفوفِهم ، والتمامِ شَمْلِهم ، وتوحُّدِ رايتِهم .
المسألة الثالثة : أَنَّ مُرادَ السَّافلِ مِن نصيحتِه هذه المزعومة ، إثارةُ الأسرة المالكة على ابنٍ صالحٍ مِن أبنائها ، في أقوال له عديدة ، منها :
- قولُه مُخاطبًا الأميرَ خالدًا : (الكلامُ مِن مثلك بهذه الحدَّة المثيرة ، وتحوّل أنظار المتحمِّسين إليك ، ولو في أَمْرٍ هامشي ، لا يُمْكِنُ أَنْ يَمُرَّ بسهولةٍ على قَوْمِك ، ولا عبرة في صَمْتٍ وهدوءٍ قد تتبعُه عاصفةٌ لا تُبقي ولا تَذَرُ ، لا سمح الله !! ) .
- وقولُه : (فَإنَّهُ يستحيلُ تمامًا في حَقِّ فردٍ مِن الأسرة الحاكمة ، مهما كانت نيَّتُه سليمةً ، وقصدُه حَسَنًا ، وهم يرونه مِن وجهة نظرهم ، يسيرُ في اتجاه تُملي عليهم شهامتُهم وحرصُهم على ابنِهم التَّصرُّف لحمايته ، وفق ما لديهم مِن تجارب سابقة ، استفادوا منها دروسًا قاسيةً لا يقبلون تكرارَها مع مَنْ يحبّون من أبنائِهم ).
- وقولُه : (فَضْلاً عن كونه ، يصدرُ مِن أميرٍ شابٍّ طموحٍ ، ينتمي إلى أسرةٍ عريقة في الحكم ، لها بروتوكولها الخاصّ الملزم للجميع في التعامل بينهم ) .
- وقولُه : ( وأنَّه أمير محسوب كلامُه على أسرتِه ، يخضع لما لا يخضع له أيّ مواطن ) .
- وقولُه : (وتذكَّر أَنْ قدرك كحفيد لأسد الجزيرة ، يقتضي منك مزيدًا من التروي التريث واختيار الألفاظ ، فكلامك محسوب عليك شرعًا ، ومحسوب شعبيًّا ، ومحسوب بدرجة أقسى مِن النَّاحية الأسريَّة ) .
فمرادُه قاتله الله ، تحريشُ أهلِه عليه ، ناهجًا نهجَهُ الخبيثَ بالأمس ، في تحريض النَّاس على وليِّ الأمر طلبًا للفتنةِ ، وهو اليوم ينهجُه لإحداثِها بين الأميرِ وأُسرتِه ، ظَنًّا منه لسفهِ عَقْلِه ، وضعفِ دينِه ، أَنَّ عقولهم كعقولِ أذنابِه ، ولم يعلمْ أَنَّ الأسرةَ المالكة ، لهم مِن العقلِ والحكمة ، ما يعصمُهم مِن الالتفات إلى تفاهات هذا الأعوج . ولهم مِن المروءة ومُراعاة حَقِّ الرَّحِم ، ما يَعْفُوْنَ به عن بعيدٍ أخطأَ في حَقِّهم ، فكيف بقريبٍ محسنٍ لم يُخطئْ !
وما عليه الأميرُ خالدٌ ، مِن غَيرةٍ وحميَّةٍ ، هو مِن أسباب فَخْرِ أُسرته وفخرنا به . فَلَمْ ينتحلْ أراءً لم تُعْرَفْ إِلا عن الخوارج أو الرَّوافض وأمثالهم مما ينتحلُها غيرُه ! وإنَّما هو على ما كان عليه أجدادُه ، يدعو إليه ويُحامي دُونَه . ولم يُعْرَفْ عنه ومنه ، إلا ثناؤه على ولاة الأمر ، ودعاؤه الدَّائم لهم ، وحميَّتِه دُونَهم ، لذا لا يَضُمُّ مجلسُه مِن العلماء وطلاب العلمِ ، إلا مَنْ هم على ذلك .
المسألة الرابعة : قولُه في الأمير : (ومحاولتُك التغريدَ في سرب الإسلاميين بين الحين والآخر ، محبًّا ومُناصرًا ، وهذا دَأْبُ كُلِّ مسلم غيور ، يخشى على بلاده من التَّغريب والمغرّبين) .
وأقول : هذا حال كُلِّ مُسلمٍ صالح ، وليس خاصًّا بحزب «سرب الإسلاميِّين» ! وهذا وَصْفٌ حركي ، لتخصيص فئةٍ من المسلمين تخصيصًا حزبيًّا له أبعادُه ! ولم يعرفِ الأميرُ هذه الأحزابَ ، ولم ينشأْ عليها ، كما نشأَ عليها غيرُه ، ممن يُرى كُلَّ يومٍ مُترديًا في حفرة !
وإذا كان هذا الفعلُ من الأمير محمودًا ، لكونهِ دَأْبَ كُلِّ مسلمٍ غيورٍ ، يخشى على بلاده من التَّغريب والمغربين : فأين جهودك أيها السَّافل ، في كفاح التَّغريب والمغربين ؟!
أَمْ أَنَّ كفاحَ الموحِّدِينَ والصَّالحين خيرٌ منه !
وتغريدُ الأمير بالحقِّ خَيرٌ ، غيرَ أَنَّ المعيبَ نهيقُ غَيرِه ونباحُه بالباطل !
المسألة الخامسة : عَابَ الأعوجُ على الأمير انتقادَهُ الفكريَّ المباشرَ ، لأعيانٍ وشخصيَّاتٍ اجتماعيَّة ! ولم يُبَيِّنْ - دَجَلاً - المعنيِّين ، لِئَلا يعرفَ النَّاسُ أنهم من الحثالات الفكريَّة ، الذين يُتَقَرَّبُ إلى الله بعيبِهم وذمِّهم ، ولِئَلا يُعْلَمَ حقيقةُ توجُّهِ الأعوج في نقده ودوافعِه ، فيحملُه كُلُّ حاملٍ على محملٍ ، ويُنْزِلُه كُلُّ مُنْزِلٍ على مَنْزِلٍ !
المسألة السَّادسة : قول الأعوج : (أيها الأمير ، لا بُدَّ لكُلِّ مُشاركٍ في الميدان الفكري والسِّياسي ، من حَدٍّ أدنى مِن التَّحصيل العلمي والثقافي ، وقبل ذلك ضَبْط الآيات والأحاديث ، والتمرّس في إلقائها بلغةٍ عربيَّةٍ فصيحةٍ بقدر الإمكان) .
وهذا مما يُضْحِك ! فالأعوجُ أحوجُ إليه مِن غَيرِه ، فإِنَّهُ مُتصدِّرٌ للنَّاس في ثياب طلابِ العلم ، ولم يَعْرِفِ العلمَ ولا طَلَبَهُ قطّ على أهله ، ولو كان له مِسْكةٌ مِن عقل أو عِلْمٍ ، لم تكن سيرتُه على ذلك الوجه الأسودِ ، والأفعالِ المشينة التي يترفَّعُ عنها عامةُ النَّاس ، فضلا عَمَّنْ يزعمُ أنَّه مِن خواصِّهم !
ولو اشتغلَ بما يُحْسِنُه ، وما أذهبَ أيَّامَه في تعلُّمِه ، وبما رَجَّحَ دراستَه وقدَّمَها على الفقه والتَّفقُّهِ في الدِّين ، مِن تتبُّعِ الحشرات ، وآفات النَّباتات : لكانَ أولى به مِن نُصْحِ الأمراء والسَّادات ، وكان خيرًا له مِنْ تتبُّعِ حشرات الأفكار والتّرهات .
وقد سمعتُه في لقاءاتٍ تلفزيونيَّةٍ معه ، يلحنُ لحنا فاحشًا لا يليق إلا بِه ، وحَسْبُهُ نصيحتُه الرَّكيكةُ هذه ، فمع قِلَّةِ أسطرها ، قد اشتملتْ على ما يَدُلُّ على جَهْلِ صاحبِها ، فمِنْ ذلك :
- استخدامُه لعباراتٍ دخيلة ، جذرُها في العربيَّةِ ، كجذر صاحبها في العلم والمعرفة !
- قولُه : (لئلا يرتدَّ إليه شيئًا). نصب «شيئا» لجهله ، وإلا فهي فاعلٌ مرفوع .
- قولُه : (بدون رتوش). «دُونَ» لا يلحقها حَرْفُ الجرّ . و«رتوش» لفظٌ أعجميٌّ ، كتراكيبِه وألفاظِه !
- وقولُه : (نقطة اللارجعة) «أل التَّعريف» لا تلحق «لا» ، إلا عند الأعاجم !
- وقولُه (وتذكر أَنَّ قدرك كحفيدٍ لأسد الجزيرة). كاف «حفيد» ، كافٌ أعجميَّةٌ ، يستخدمونها بمعنى السَّببيَّة ، ولا يعرفها العَرَبُ بهذا المعنى .
- وقولُه (والحكماء لا يتساهلون في عيون أسود). يُرِيدُ : أَنَّ الحكماءَ لا يستهينون بالأسود ! فركَّبها على هذا الوجه !
هذِه بَعْضُ المآخذِ ، كتبتُها على عَجَلٍ ، ولو كان الأعوجُ ذا بالٍ ، لجمعتُ مُشاركاتِه المختلفةَ ، وأظهرتْ عَوَرَهُ مِن عام (1412هـ) حتَّى السَّاعة ، إلا أَنَّهُ أحقرُ مِن أَنْ يُشتغلَ به .
وقد جَرَتْ على لساني أبياتٌ حين كتابتي لهذه المآخذ فكتبتُها :
أَعْوَجُ الرَّأيِ في السَّفَاهَةِ عَاشَا * * * يَمْـتَـطِي كُلَّ دَاخِلٍ وَدَخِـيْـلِ
لَـيْـتَ شِعْرِي بِمَـا يُذَمُّ الحقـيرُ * * * أَ بِعَـقْـلٍ مَـضَى و قَـوْلٍ جَهِـيْلِ
أَمْ بِفِعْلٍ تَسْوَدُّ مِنْهُ الوُجُــوْهُ * * * وَ اعـتـقـادٍ لِفِـكْـرِ كُلِّ عَمِيْلِ
يَخْسَأُ النَّذْلُ لَيْسَ لِلشِّعْـرِ كُـفْءٌ * * * لِـيَـطُـوْلَ الَحقِـيرُ قَدْرَ الجلِـيْلِ
لَكِـنِ النَّفْسُ فَاضَ مِنْهَا شُعُوْرٌ * * * يَـزْدَرِيْـهِ فَـقُـلْتُ غَـيرَ مُطِيْلِ
وَ لِـيَـسْـلَمْ أَمِيرُنَا الشَّهْمُ دَوْمًا * * * خَـالِدًا في المعالي خِدْنَ الجميلِ
وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّد ، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيرًا ،،،
عَبْد العزيز بن فيصل الرَّاجحي